بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
فإن اليوم الذي سيجمع الله فيه الخلائق يوم تشيب له الولدان، و تقشعر له الأبدان، و الناس فيه يصلح تقسيمهم باعتبارين،الأول: فريق آمنون من الحزن و الفزع و ناس نادمون متحسرون، أما باعتبار آخر فإن الناس جميعهم يتحسرون فالمحسن على عدم ازدياده من الطاعات، و بعض الأعمال التي قد خالطتها شوائب و أكدار، و تفويته لمجالس الذكر، أما المسيء فأعظم من ذلك بكثير، تكون حسرته على تفريطه في جنب الله ،و حسرته لخسارة نفسه و أهله ، وحسرته على الساعة التي خلت من الدنيا أمضاها في طاعة الشيطان و الهوى و ذلك مصداق قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال ابن عباس رضي الله عنه و عن أبيه يوم الحسرة: ((اسم من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله، وحذَّر منه عبادَه)) حتى إن المسيء من فرط حسرته يقيَّظ له شيطانه الذي كان له قرينا فلا يفارقه حتى تستوي أقدامهما في النار.
روى عبد الرزاق في تفسيره 2767 - عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْرِهِ سَفَعَ بِيَدِهِ شَيْطَانٌ ، فَلَا يُفَارِقْهُ حَتَّى يُصَيِّرَ بِهِمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ حَتَّى قَالَ: إِنَّمَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَصِيرَ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ.
وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول هذا يوم القيامة.
أخرج الإمام مسلم في الصحيح 258- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)) .فالشيطان المراد هنا و الله أعلم هو قرينه من الشياطين المقيض به كما رجح ذلك ابن أبي حاتم ، و قد بوب ابن حبان على الحديث بقوله: (( ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم ( فَإِنّمَا هُو شَيْطَان ) أراد به : أن معه شيطاناً يدله على ذلك الفعل ، لا أن المرء المسلم يكون شيطاناً)) .
والشيطان لا يتمكن من نفس الإنسان و يستحوذ عليها إلا إذا أعرض عن هداية الله، وخرج عن المنهج المرسوم، و تمادى في الغي و الضلال،فإذا كان منه ذلك عاقبه الله بتمكين الشيطان منه، فيوجهه وجهة الشر والفساد فى كل قول وفى كل فعل، و يستولي عليه استيلاءا كاملا، حتى يبلغ إلى كونه جنديا لإبليس،قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}.
ثم انه لكثرة أنواع كؤوس الحسرات التي يذوقها الكفار يومها تصل بهم إلى حد لعن بعضهم بعضا فيلعن المتبوع التابع و التابع المتبوع و يتبرأ بعضهم من بعض، فيتمنى أن يكون بينه و بين قرينه بعد المشرقين، كما قال تعالى(( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)) قال ابن جرير حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى إذَا جاءنا هو وقرينه جميعا.
قال ابن جرير:((يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أى بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما قيل: شبه القمرين)) .
و لعل قائلا يقول كيف يكون بعد بينهما مابين المشرقين؟ فالجواب أن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فإنك تجد الروحين المتماثلتين في غاية القرب و التجاور و إن كان البعد بينهما مابين المشرقين، ثم إنك تجد روحين متنافرتين متباغضتين و إن كانت أجسادهما متلاصقة متقاربة و متجاورة.
فإن قال قائل: هل يكون هناك في الحقيقة مشرقين ليضرب بهما المثل في أكثرية البعد؟
فالجواب على ذلك و بالله التوفيق من وجوه:
- الأول: أنه من المعلوم لدى الجميع اختلاف طول الليل و النهار بين فصلي الشتاء و الصيف، فالنهار في الصيف يكون أطول في جهة من الأرض و أقصر في الجهة المعاكسة.أما الليل فيكون أقصر في جهة، و أطول في الجهة الأخرى و هذا موجود في كتاب الله تعالى، قال ابن وهب في التفسير230- حدثني الليث عن أبي معشر عن محمد ابن كعب القرظي في قول الله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل}، قال: يدخل من نهار الصيف في ليل الشتاء، ويدخل من ليل الشتاء في نهار الصيف.
- الثاني: أن المشرق و المغرب ذكرا في القرآن بصيغ ثلاث: الإفراد، و التثنية و الجمع، أما الإفراد فكما في قوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}، و أما التثنية فكما في قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، و أخيرا الجمع في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} قال ابن رجب في تفسيره (2/326) : ((إنَّ الشتاء له مشرقٌ ومغربٌ، والصيفَ كذلك، ولهذا ثَنَّاهما اللَّه تعالى في قولِهِ: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ). وجمعَهما في قولهِ: (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ، باعتبار مشارق الشتاءِ والصيفِ والخريفِ والربيع؛ فإن لكلِ يومٍ من السنةِ مطلعًا مشرقًا خاصا ومغربًا خاصا. وأفردَهما في قوله: (رَبُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، باعتبار الجنسِ)) .
و جاء نحوه في تفسير يحيى بن سلام فقال في التفسير (2/823) :(( {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَشْرِقًا وَثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَغْرِبًا. وَسَمِعْتُ غَيْرَ سَعِيدٍ يَقُولُ: هِيَ ثَمَانُونَ وَمِائَةُ مَنْزِلَةٍ، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ فِي الثَّمَانِينَ وَمِائَةٍ، فَتَكُونُ ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، فَهِيَ كُلُّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ. قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} قَالَ: لَهَا مَشْرِقٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، وَمَغْرِبٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبٌ فِي الصَّيْفِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الْمَشْرِقِ كُلِّهِ وَالْمَغْرِبِ كُلِّهِ)) .
-فيظهر مما نقله ابن رجب و ابن سلام أن صيغة الإفراد المراد بها جهة المشرق و جهة المغرب للدلالة على ربوبيته المشرق و المغرب و مابينهما.
-أما صيغة التثنية: فقد اختلفت فيها أقوال أهل التأويل: أخرج ابن وهب 232- حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سعد عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي في قول الله: {رب المشرقين ورب المغربين}، قال: مشرق الشتاء ومغرب الشتاء، ومشرق الصيف ومغرب الصيف، و قال ابن عباس: للشمس مطلع في الشتاء و مغرب في الشتاء، و مطلع في الصيف و مغرب في الصيف غير مطلعها في الشتاء و غير مغربها في الشتاء .
و روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مشرق النجم و مشرق الشفق، و مغرب الشمس و مغرب الشفق.قال مقاتل بن سليمان في تفسيره (4/197): ((رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق أطول يوم في السنة وهو خمس عشرة ساعة، ومشرق أقصر يوم في السنة وهو تسع ساعات وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يعني مغاربهما يعني مغرب أطول ليلة ويوم في السنة وأقصر ليلة ويوم في السنة فهما يومان في السنة، ثم جمعها فقال: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ )) .
و قال ابن كثير وقال في الآية الأخرى: {رب المشرقين ورب المغربين} يعني في الشتاء والصيف، للشمس والقمر.
- أما صيغة الجمع: فيكون مراده برب المشارق والمغارب إما مشارق النجوم ومغاربها أو مشارق الشمس ومغاربها وفي ربوبيته سبحانه للمشارق والمغارب تنبيه على ربوبيته السماوات وما حوته من شمس و قمر و ما طلعت عليه الشمس.
و قد أحسن ابن القيم رحمه الله الكلام عن بعض الحكم من ذكر المشرق و المغرب بالصيغ الآنف ذكرها فقال في بدائع الفوائد (1/121):((وهذا معنى حسن المشرق والمغرب بين الجمع والتثنية والإفراد ومن هذا المعنى مجيء المشرق والمغرب في القرآن تارة مجموعين وتارة مثنيين وتارة مفردين لاختصاص كل محل بما يقتضيه من ذلك فالأول كقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} والثاني كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} والثالث كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} فتأمل هذه الحكمة البالغة في تغاير هذه المواضع في الإفراد والجمع والتثنية بحسب موادها يطلعك على عظمة القرآن الكريم وجلالته وأنه تنزيل من حكيم حميد فحيث جمعت كان المراد بها مشارق الشمس ومغاربها في أيام السنة وهي متعددة وحيث أفردت كان المراد أفقي المشرق والمغرب وحيث ثنيا كان المراد مشرقي صعودها وهبوطها ومغربيهما فإنها تبتديء صاعدة حتى تنتهي إلى غاية أوجها وارتفاعها فهذا مشرق صعودها وينشأ منه فصلا الخريف والشتاء: فجعل مشرق صعودها بجملته مشرقا واحدا ومشرق هبوطها بجملته مشرقا واحدا ويقابلها مغرباها فهذا وجه اختلاف هذه في الإفراد والتثنية والجمع وأما وجه اختصاص كل موضع بما وقع فيه فلم أر أحدا تعرض له ولا فتح بابه وهو بحمد الله بين من السياق فتأمل وروده مثنى في سورة الرحمن لما كان مساق السورة مساق المثاني المزدوجات فذكر أولا نوعي الإيجاد وهما الخلق والتعظيم ثم ذكر سراجي العالم ومظهري نوره وهما الشمس والقمر ثم ذكر نوعي النبات ما قام منه على ساق وما انبسط منه على وجه الأرض وهما النجم والشجر ثم ذكر نوعي السماء المرفوعة والأرض الموضوعة وأخبر أنه رفع هذه ووضع هذه ووسط بينهما ذكر الميزان ثم ذكر العدل والظلم في الميزان فأمر بالعدل ونهى عن الظلم ذكر نوعي الخارج من الأرض وهما الحبوب والثمار ثم ذكر خلق نوعي المكلفين وهما نوع الإنسان ونوع الجان ثم ذكر نوعي المشرقين ونوعي المغربين ثم ذكربعد ذلك البحرين الملح والعذب فتأمل حسن تثنية المشرق والمغرب في هذه السورة وجلالة ورودهما لذلك وقدر موضعهما اللفظ مفردا ومجموعا تجد السمع ينبو عنه ويشهد العقل بمنافرته للنظم ثم تأمل ورودهما مفردين في سورة المزمل لما تقدمهما ذكر الليل والنهار فأمر رسوله علي الصلاة والسلام بقيام الليل ثم أخبره أن له في النهار سبحا طويلا فلما تقدم ذكر الليل وما أمر به فيه وذكر النهار وما يكون منه فيه عقب ذلك بذكر المشرق والمغرب اللذين هما مظهر الليل والنهار فكان ورودهما مفردين في هذا السياق أحسن من التثنية والجمع لأن ظهور الليل والنهار هما واحد فالنهار أبدا يظهر من المشرق والليل أبدا يظهر من المغرب.
ثم تأمل مجيئهما مجموعين في سورة المعارج في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} لما كان هذا القسم في سياق سعة ربوبيته وإحاطة قدرته والمقسم عليه أرباب هؤلاء والإتيان بخير منهم ذكر المشارق والمغارب لتضمنهما انتقال الشمس التي هي أحد آياته العظيمة الكبيرة ونقله سبحانه لها وتصريفها كل يوم في مشرق ومغرب فمن فعل هذا كيف يعجزه أن يبدل هؤلاء وينقل إلى أمكنتهم خيرا منهم وأيضا فإن تأثير مشارق الشمس ومغاربها في اختلاف أحوال النبات والحيوان أمر مشهور وقد جعل الله تعالى ذلك بحكمته سببا لتبدل أجسام النبات وأحوال الحيوانات وانتقالها من حال إلى غيره ويبدل الحر بالبرد والبرد بالحر والصيف بالشتاء والشتاء بالصيف إلى سائر تبدل أحوال الحيوان والنبات والرياح والأمطار والثلوج وغير ذلك من التبدلات والتغيرات الواقعة في العالم بسبب اختلاف مشارق الشمس ومغاربها كان ذلك تقدير العزيز العليم فكيف لا يقدر مع ما يشهدونه من ذلك على أن يبدل خيرا منهم وأكد هذا المعنى بقوله وما نحن بمسبوقين فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظة الجمع)) .
و هذا كلام نفيس قل أن تجده في كتاب، و بهذا أصل إلى الخاتمة و أقول: ان المراد من قوله تعالى:"يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين" قد يحمل على وجوه منها: أن المشرقين المراد بهما جهة المشرق و جهة المغرب و إنما جمعا للتغليب كما يقال الزهراوان لسورتي البقرة و آل عمران، و العمران لأبي بكر و عمر، و القمران للشمس و القمر،فيكون بينهما أشد التباعد.
و الله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و الحمد لله رب العالمين .
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
فإن اليوم الذي سيجمع الله فيه الخلائق يوم تشيب له الولدان، و تقشعر له الأبدان، و الناس فيه يصلح تقسيمهم باعتبارين،الأول: فريق آمنون من الحزن و الفزع و ناس نادمون متحسرون، أما باعتبار آخر فإن الناس جميعهم يتحسرون فالمحسن على عدم ازدياده من الطاعات، و بعض الأعمال التي قد خالطتها شوائب و أكدار، و تفويته لمجالس الذكر، أما المسيء فأعظم من ذلك بكثير، تكون حسرته على تفريطه في جنب الله ،و حسرته لخسارة نفسه و أهله ، وحسرته على الساعة التي خلت من الدنيا أمضاها في طاعة الشيطان و الهوى و ذلك مصداق قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال ابن عباس رضي الله عنه و عن أبيه يوم الحسرة: ((اسم من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله، وحذَّر منه عبادَه)) حتى إن المسيء من فرط حسرته يقيَّظ له شيطانه الذي كان له قرينا فلا يفارقه حتى تستوي أقدامهما في النار.
روى عبد الرزاق في تفسيره 2767 - عَنْ مَعْمَرٍ،عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْرِهِ سَفَعَ بِيَدِهِ شَيْطَانٌ ، فَلَا يُفَارِقْهُ حَتَّى يُصَيِّرَ بِهِمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ فَذَلِكَ حَيْثُ يَقُولُ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ حَتَّى قَالَ: إِنَّمَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَصِيرَ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ.
وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلا بد أن يقول هذا يوم القيامة.
أخرج الإمام مسلم في الصحيح 258- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)) .فالشيطان المراد هنا و الله أعلم هو قرينه من الشياطين المقيض به كما رجح ذلك ابن أبي حاتم ، و قد بوب ابن حبان على الحديث بقوله: (( ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم ( فَإِنّمَا هُو شَيْطَان ) أراد به : أن معه شيطاناً يدله على ذلك الفعل ، لا أن المرء المسلم يكون شيطاناً)) .
والشيطان لا يتمكن من نفس الإنسان و يستحوذ عليها إلا إذا أعرض عن هداية الله، وخرج عن المنهج المرسوم، و تمادى في الغي و الضلال،فإذا كان منه ذلك عاقبه الله بتمكين الشيطان منه، فيوجهه وجهة الشر والفساد فى كل قول وفى كل فعل، و يستولي عليه استيلاءا كاملا، حتى يبلغ إلى كونه جنديا لإبليس،قال تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}.
ثم انه لكثرة أنواع كؤوس الحسرات التي يذوقها الكفار يومها تصل بهم إلى حد لعن بعضهم بعضا فيلعن المتبوع التابع و التابع المتبوع و يتبرأ بعضهم من بعض، فيتمنى أن يكون بينه و بين قرينه بعد المشرقين، كما قال تعالى(( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)) قال ابن جرير حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: حتى إذَا جاءنا هو وقرينه جميعا.
قال ابن جرير:((يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين: أى بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر، كما قيل: شبه القمرين)) .
و لعل قائلا يقول كيف يكون بعد بينهما مابين المشرقين؟ فالجواب أن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فإنك تجد الروحين المتماثلتين في غاية القرب و التجاور و إن كان البعد بينهما مابين المشرقين، ثم إنك تجد روحين متنافرتين متباغضتين و إن كانت أجسادهما متلاصقة متقاربة و متجاورة.
فإن قال قائل: هل يكون هناك في الحقيقة مشرقين ليضرب بهما المثل في أكثرية البعد؟
فالجواب على ذلك و بالله التوفيق من وجوه:
- الأول: أنه من المعلوم لدى الجميع اختلاف طول الليل و النهار بين فصلي الشتاء و الصيف، فالنهار في الصيف يكون أطول في جهة من الأرض و أقصر في الجهة المعاكسة.أما الليل فيكون أقصر في جهة، و أطول في الجهة الأخرى و هذا موجود في كتاب الله تعالى، قال ابن وهب في التفسير230- حدثني الليث عن أبي معشر عن محمد ابن كعب القرظي في قول الله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل}، قال: يدخل من نهار الصيف في ليل الشتاء، ويدخل من ليل الشتاء في نهار الصيف.
- الثاني: أن المشرق و المغرب ذكرا في القرآن بصيغ ثلاث: الإفراد، و التثنية و الجمع، أما الإفراد فكما في قوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}، و أما التثنية فكما في قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، و أخيرا الجمع في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} قال ابن رجب في تفسيره (2/326) : ((إنَّ الشتاء له مشرقٌ ومغربٌ، والصيفَ كذلك، ولهذا ثَنَّاهما اللَّه تعالى في قولِهِ: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ). وجمعَهما في قولهِ: (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ، باعتبار مشارق الشتاءِ والصيفِ والخريفِ والربيع؛ فإن لكلِ يومٍ من السنةِ مطلعًا مشرقًا خاصا ومغربًا خاصا. وأفردَهما في قوله: (رَبُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، باعتبار الجنسِ)) .
و جاء نحوه في تفسير يحيى بن سلام فقال في التفسير (2/823) :(( {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَشْرِقًا وَثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَغْرِبًا. وَسَمِعْتُ غَيْرَ سَعِيدٍ يَقُولُ: هِيَ ثَمَانُونَ وَمِائَةُ مَنْزِلَةٍ، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ فِي الثَّمَانِينَ وَمِائَةٍ، فَتَكُونُ ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، فَهِيَ كُلُّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ. قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} قَالَ: لَهَا مَشْرِقٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، وَمَغْرِبٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبٌ فِي الصَّيْفِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الْمَشْرِقِ كُلِّهِ وَالْمَغْرِبِ كُلِّهِ)) .
-فيظهر مما نقله ابن رجب و ابن سلام أن صيغة الإفراد المراد بها جهة المشرق و جهة المغرب للدلالة على ربوبيته المشرق و المغرب و مابينهما.
-أما صيغة التثنية: فقد اختلفت فيها أقوال أهل التأويل: أخرج ابن وهب 232- حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سعد عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي في قول الله: {رب المشرقين ورب المغربين}، قال: مشرق الشتاء ومغرب الشتاء، ومشرق الصيف ومغرب الصيف، و قال ابن عباس: للشمس مطلع في الشتاء و مغرب في الشتاء، و مطلع في الصيف و مغرب في الصيف غير مطلعها في الشتاء و غير مغربها في الشتاء .
و روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: مشرق النجم و مشرق الشفق، و مغرب الشمس و مغرب الشفق.قال مقاتل بن سليمان في تفسيره (4/197): ((رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق أطول يوم في السنة وهو خمس عشرة ساعة، ومشرق أقصر يوم في السنة وهو تسع ساعات وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ يعني مغاربهما يعني مغرب أطول ليلة ويوم في السنة وأقصر ليلة ويوم في السنة فهما يومان في السنة، ثم جمعها فقال: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ )) .
و قال ابن كثير وقال في الآية الأخرى: {رب المشرقين ورب المغربين} يعني في الشتاء والصيف، للشمس والقمر.
- أما صيغة الجمع: فيكون مراده برب المشارق والمغارب إما مشارق النجوم ومغاربها أو مشارق الشمس ومغاربها وفي ربوبيته سبحانه للمشارق والمغارب تنبيه على ربوبيته السماوات وما حوته من شمس و قمر و ما طلعت عليه الشمس.
و قد أحسن ابن القيم رحمه الله الكلام عن بعض الحكم من ذكر المشرق و المغرب بالصيغ الآنف ذكرها فقال في بدائع الفوائد (1/121):((وهذا معنى حسن المشرق والمغرب بين الجمع والتثنية والإفراد ومن هذا المعنى مجيء المشرق والمغرب في القرآن تارة مجموعين وتارة مثنيين وتارة مفردين لاختصاص كل محل بما يقتضيه من ذلك فالأول كقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} والثاني كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} والثالث كقوله: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} فتأمل هذه الحكمة البالغة في تغاير هذه المواضع في الإفراد والجمع والتثنية بحسب موادها يطلعك على عظمة القرآن الكريم وجلالته وأنه تنزيل من حكيم حميد فحيث جمعت كان المراد بها مشارق الشمس ومغاربها في أيام السنة وهي متعددة وحيث أفردت كان المراد أفقي المشرق والمغرب وحيث ثنيا كان المراد مشرقي صعودها وهبوطها ومغربيهما فإنها تبتديء صاعدة حتى تنتهي إلى غاية أوجها وارتفاعها فهذا مشرق صعودها وينشأ منه فصلا الخريف والشتاء: فجعل مشرق صعودها بجملته مشرقا واحدا ومشرق هبوطها بجملته مشرقا واحدا ويقابلها مغرباها فهذا وجه اختلاف هذه في الإفراد والتثنية والجمع وأما وجه اختصاص كل موضع بما وقع فيه فلم أر أحدا تعرض له ولا فتح بابه وهو بحمد الله بين من السياق فتأمل وروده مثنى في سورة الرحمن لما كان مساق السورة مساق المثاني المزدوجات فذكر أولا نوعي الإيجاد وهما الخلق والتعظيم ثم ذكر سراجي العالم ومظهري نوره وهما الشمس والقمر ثم ذكر نوعي النبات ما قام منه على ساق وما انبسط منه على وجه الأرض وهما النجم والشجر ثم ذكر نوعي السماء المرفوعة والأرض الموضوعة وأخبر أنه رفع هذه ووضع هذه ووسط بينهما ذكر الميزان ثم ذكر العدل والظلم في الميزان فأمر بالعدل ونهى عن الظلم ذكر نوعي الخارج من الأرض وهما الحبوب والثمار ثم ذكر خلق نوعي المكلفين وهما نوع الإنسان ونوع الجان ثم ذكر نوعي المشرقين ونوعي المغربين ثم ذكربعد ذلك البحرين الملح والعذب فتأمل حسن تثنية المشرق والمغرب في هذه السورة وجلالة ورودهما لذلك وقدر موضعهما اللفظ مفردا ومجموعا تجد السمع ينبو عنه ويشهد العقل بمنافرته للنظم ثم تأمل ورودهما مفردين في سورة المزمل لما تقدمهما ذكر الليل والنهار فأمر رسوله علي الصلاة والسلام بقيام الليل ثم أخبره أن له في النهار سبحا طويلا فلما تقدم ذكر الليل وما أمر به فيه وذكر النهار وما يكون منه فيه عقب ذلك بذكر المشرق والمغرب اللذين هما مظهر الليل والنهار فكان ورودهما مفردين في هذا السياق أحسن من التثنية والجمع لأن ظهور الليل والنهار هما واحد فالنهار أبدا يظهر من المشرق والليل أبدا يظهر من المغرب.
ثم تأمل مجيئهما مجموعين في سورة المعارج في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} لما كان هذا القسم في سياق سعة ربوبيته وإحاطة قدرته والمقسم عليه أرباب هؤلاء والإتيان بخير منهم ذكر المشارق والمغارب لتضمنهما انتقال الشمس التي هي أحد آياته العظيمة الكبيرة ونقله سبحانه لها وتصريفها كل يوم في مشرق ومغرب فمن فعل هذا كيف يعجزه أن يبدل هؤلاء وينقل إلى أمكنتهم خيرا منهم وأيضا فإن تأثير مشارق الشمس ومغاربها في اختلاف أحوال النبات والحيوان أمر مشهور وقد جعل الله تعالى ذلك بحكمته سببا لتبدل أجسام النبات وأحوال الحيوانات وانتقالها من حال إلى غيره ويبدل الحر بالبرد والبرد بالحر والصيف بالشتاء والشتاء بالصيف إلى سائر تبدل أحوال الحيوان والنبات والرياح والأمطار والثلوج وغير ذلك من التبدلات والتغيرات الواقعة في العالم بسبب اختلاف مشارق الشمس ومغاربها كان ذلك تقدير العزيز العليم فكيف لا يقدر مع ما يشهدونه من ذلك على أن يبدل خيرا منهم وأكد هذا المعنى بقوله وما نحن بمسبوقين فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظة الجمع)) .
و هذا كلام نفيس قل أن تجده في كتاب، و بهذا أصل إلى الخاتمة و أقول: ان المراد من قوله تعالى:"يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين" قد يحمل على وجوه منها: أن المشرقين المراد بهما جهة المشرق و جهة المغرب و إنما جمعا للتغليب كما يقال الزهراوان لسورتي البقرة و آل عمران، و العمران لأبي بكر و عمر، و القمران للشمس و القمر،فيكون بينهما أشد التباعد.
و الله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و الحمد لله رب العالمين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق