بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}
نلاحظ هنا طلب سليمان عليه السلام التوفيق الرباني على شكر النعمة التي أنعمها الله عليه و على والديه، الذي نستلخص منه عدم اتكال المسلم على مجهوده و عمله في تحقيق الهداية و التوفيق لذلك .
قوله أوزعني: أي ألهمني، أن أشكر نعمتك التي لا تحصى بحيث لا أنفكُّ عن شكرها، لان شكر النعمة أحد أسباب نيل السعادة، و هي كون العبد: ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر فإن هذه الأمور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه .
كما ان شكر النعمة سبب لدوامها،وهو مبني على ثلاثة أركانكما بين ذلك العلامة ابن القيم في الوابل الصيب(5/1): ((الاعتراف بها باطنا والتحدث بها ظاهرا وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها)) .
نلاحظ هنا أن النبي سليمان-عليه الصلاة و السلام- لم يطلب من ربه الإلهام على شكر نعمته عليه فحسب بل تعدى ذلك الى والديه، و هذا من أكمل البر بهما
كما نقل ابن الجوزي في المقتبس عن الوزير ابن هُبيرة-رحمه الله تعالى-:(( سمعته يقول في قوله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} قال: هذا من تمام برّ الوالدين . كأن هذا الولد خاف أن يكون والده قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما؛ ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصرا )).
كما نقل ابن الجوزي في المقتبس عن الوزير ابن هُبيرة-رحمه الله تعالى-:(( سمعته يقول في قوله تعالى: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} قال: هذا من تمام برّ الوالدين . كأن هذا الولد خاف أن يكون والده قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما؛ ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصرا )).
ورد لفظ نعمة في القرآن بكسر النون كما في الآية السابقة أما بفتح النون فكما في قوله تعالى:{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} سورة الدخان
و قد اختلف العلماء في الفرق بينهما، غير أن هناك أقوال ربما تكون أقرب للصواب من غيرها و منها القول: أنها بالفتح تعني التنعم و هو سعة العيش و الراحة و التلذذ بالملذات فتكون باعتبار محلها على البدن، أما بالكسر فتعني الإنعام و المنة و الإفضال و العطية فتكون باعتبار مالكها و هو الله تعالى و قسمت الى قسمين
كما قال العلامة ابن القيم في اجتماع الجيوش الاسلامية(32/2): ((والنعمة نعمتان :نعمة مطلقة ونعمة مقيدة .
كما قال العلامة ابن القيم في اجتماع الجيوش الاسلامية(32/2): ((والنعمة نعمتان :نعمة مطلقة ونعمة مقيدة .
فالنعمة المطلقة : هي المتصلة بسعادة الأبد وهي نعمة الإسلام والسنة وهي النعمة التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلاتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول تعالى :{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} فهؤلاء الأصناف الأربعة ، هم أهل هذه النعمة المطلقة ، وأصحابها))
الى ان قال ((والنعمة الثانية النعمة المقيدة كنعمة الصحة ، والغنى ، وعافية الجسد، وبسط الجاه ، وكثرة الولد ، والزوجة الحسنة))
و قال العلامة ابن القيم في الفوائد(172/1)
النعم ثلاثة:نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها ، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيدا يقيدها به حتى لا تشرد،فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وبصَّره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها ووفقه لاجتنابها.وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه، وعرفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها))
نفهم من كلام ابن القيم اهمية شكر النعمة و تذاكرها كما أن اعظم نعمة لله على عبده هي المطلقة و هي نعمة الاسلام فيجب شكرها و إلا زالت لانه أوصلها إليك بفضل منه و امتنان لا باستحقاق العبد لها .
نقل ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين عن الفضيل بن عياض قال:
(( عليكم بملازمة الشكر على النعم فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم ))
إذن على كل ذي نعمة أن ينظر إليها بعين التعظيم لانها من الله تعالى حتى ان قليلها لا يقال لها قليلة بل فيه من نعم الله تعالى ما قد يظنه البعض غير ذلك، مما يدفعه للتقصير أو الغفلة عن شكرها .
و ما أحسن ما نقل ابن القيم في عدة الصابرين عن بعض السلف: (( لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها ، وذلك أن الله لم يرضَ لنبيه الدنيا ، فلأَنْ أكون فيما رضي الله لنبيه وأحبَّ له أحبُّ من أن أكون فيما كرهه له وسخطه))
و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .