بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
فإنه من أصول الهداية التي لا يتوصل إلى طريق الحق إلا بها الرجوع إلى المحكم من كلام الله تعالى ،فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله)) أخرجه أحمد في المسند و الحاكم في المستدرك و ابن حبان في الصحيح من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه.
و في الشريعة للآجري قال: ((إن منكم لمن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)) لهذا ما فتيء أهل الزيغ و الضلال و من قلّ حظهم من العلم يخرجون عن الحق إلى الباطل، فلا يرجعون إلى المحكم الذي لا يمكنهم أن يحملوه على مقاصدهم الخبيثة الفاسدة وينزلوه عليها، إنما يصرفون أنظارهم إلى كل ماهو متشابه من القول، فيحملوا معانية على الوجه الذي يرون لاحتمال لفظه لما استقر في قلوبهم المريضة،فتتحقق فيهم الضلالة التي كتبها الله على من يتبع متشابه كتابه بلا رجوع إلى محكمه.
و من الآيات التي كثر عنها الكلام و اختلفت أهواء الطوائف في المراد منها قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} فيستدلون بها في غير محلها و يحملونها محامل صعبة .
*المبحث الأول: في الكلام عن هذه الآيات: في معنى قوله: {مختلفين}
1- مختلفين في الأديان و الملل: قال ابن جرير :ثم اختلف أهل التأويل في "الاختلاف" الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به. فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء: ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى، من بين يهوديّ ونصرانيّ، ومجوسي، ونحو ذلك.
وقال قائلو هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان.
2- في الهوى: جاء في سنن سعيد بن منصور 1107- حدثنا سعيد،قال نا أبو الأحوص،قال:نا سماك،عن عكرمة في قوله عز و جل {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} - قال: مختلفين في الهوى.
3- قال ابن جرير:وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير وهذا غنى.
ثم رجح ابن جرير القول الأول فقال "ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى، إلا من رحم ربك، فآمن بالله وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله، وتصديق رسله، وما جاءهم من عند الله.
فيكون من قبيل الوعيد لمن أثبت القدر واحتج به على الأمر و النهي و ما احسن ما قاله مطرف بن الشخير: لم نوكل إلى القدر، وإليه نصير. وقال ضمرة بن ربيعة: لم نؤمر أن نتكل على القدر، وإليه نصير.
*المبحث الثاني: الأصل في الاختلاف أنه حادث ، أدلة ذلك قائمة و كثيرة من الكتاب و السنة منها آيات الميثاق و غيرها .
قال ابن وهب في تفسيره 350 - وأخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله: {كان الناس أمة واحدة}، فهذا يوم آخذ ميثاقهم، لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، اختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمدٍ ليوم الجمعة؛ واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمدٍ للقبلة؛ واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في الصيام؛ فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم من بعض الطعام، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلما، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في عيسى بن مريم، فكفرت به اليهود وقالوا لأمه {بهتانا عظيما}، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله روحه وكلمه، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك.
*المبحث الثالث: أن نعلم أن أهل الرحمة خصوا من الله بعدم الإختلاف {وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} يعني للرحمة خلقهم، و لا يشك عاقل أن دين الإسلام من رحمة الله و الاسلام هو التوحيد و عبادة الله و ذلك مصداق قوله تعالى {و ما خلقت الجن و الانس إلا ليعبدون} فيكون الجمع بين الآيتين و "لذلك خلقهم" أي: ليعبدوه ويوحدوه و أهل عبادته هم أهل رحمته .
قال ابن وهب في التفسير 65 - قال: وأخبرني عبد الله بن يزيد عن المسعودي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قرأ هذه الآية: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: خلق أهل رحمته ألا يختلفوا.
و روى عبد الرزاق في المصنف1263 - عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى {إِلَّا مَنْ رَحمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} للرحمة خلقهم .
كما روى في 1264 - عن ابن التيمي،عن جعفر،عن عكرمة،عن ابن عباس،قال {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} قال: إلا أهل رحمته،فإنهم لا يختلفون، و لذلك خلقهم .
و روى ابن وهب في تفسيره 25 - قال: وأخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاؤوس أن رجلين اختصما إليه فأكثروا، فقال طاؤوس: اختلفتما وأكثرتما؛ قال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، قال طاؤوس: كذبت، أليس يقول الله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة.
و روى ابن أبي حاتم 11292 حدثنا أبي ثنا أبو صالح حدثنى معاوية بن صالح عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قوله : ولذلك خلقهم قال خلقهم فرقتين فريقاً يرحم فلا يختلف وفريقاً لا يرحم يختلف وذلك قوله : فمنهم شقي وسعيد
11295 حدثنا أبو سعيد الاشج ثنا اسماعيل بن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال : قلت للحسن : ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال : خلق هؤلاء لجنته وهؤلاء للنار وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء للعذاب .
ثم جعل عدم الإختلاف سببا للرحمة كما روى ابن جرير11294 -حدثنا أبى ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيي بن أبى زايدة قال ابن جريج قال مجاهد خلق اهل الحق ومن اتبعه لرحمته.
أقول:و لذلك في الحديث لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، منصورين، و لو كانوا مختلفين لكان أمرهم شتات، و لكنهم كانوا ممن خصهم الله بالرحمة و الإجتماع على الحق، و ليست هذه حال المختلفين بتاتا ،فلا يضرب الشرع بعضه ببعض .
المبحث الرابع: أقوال السلف في المراد بالمختلفين و المرحومين:
اختلفت أقوالهم اختلاف تنوع و في الجملة نقول ان المرحومين هم المؤمنون،قال ابن ابي زمنين في تفسير القرآن العزيز (2/313)
{إِلَّا من رحم رَبك} و هم المؤمنون لا يختلفون في البعث كما اختلف الكفار فيه {وَلذَلِك خلقهمْ} و لذلك خلق أهل الرحمة ألا يختلفوا )) .
قال ابن جرير قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك: (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحقّ، ليس فيهم اختلاف.
و قال قتادة: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، فأهل رحمة الله أهل جماعة، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم.
أما أهل الفرقة و النقمة و العذاب فليس المقصود بهم أهل من سبق ذكرهم قال ابن وهب في التفسير 205 - وحدثني طلحة أيضا أنه سمع عطاء يقول: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية، وهم الذين رحم ربك الحنيفية.
و هذه الآيات يمكن أن ننظر إليها بمنظارين: الأول إرادة الله الكونية و الثاني إرادته الشرعية، فالكونية منها هي الإرادة المستلزِمة لوقوع المراد التي يُقال فيها: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وهذه الإرادة هي مدلول اللام في قوله: و لذلك خلقهم .
وأما الشرعية فهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم و هي لا تستلزم وقوع المراد ،فيتحقق بذلك أمره الكوني باختلاف الناس إلا من هداهم الله وتكرم عليهم بفضله .
أما ضمير الكاف في قوله "و لذلك" فإن القاعدة المعروفة عند أهل الفن أن الضمير المتصل عائده على مذكور سابق له يوافقه في الجنس و العدد، و هنا مرجع الضمير له حالان: الأولى أن يرجع على الناس فالإشارة تكون إلى الإختلاف، بمعنى أي اقتضت حكمته و إرادته أن يصير مآل الناس إلى الإختلاف.
الثاني: أن يعود الضمير على قوله: "إلا من" فالإشارة إلى الرحمة أي خلقهم لرحمته كما أسلفت ربطها بآية و ما خلقت الجن و الإنس .
فهذا القرآن عكف على تأويله الكثير من السلف و الخلف، و لم يدع الإحاطة بمعانيه بل لا يستطيعه ذلك أحد، لأن كتاب الله مبارك لا تنقضي عجائبه، و قد صدق ابن تيمية رحمه الله حين قرر أن أهل الباطل لا يستدلون بنص شرعي إلا و وجد رد باطلهم من ذلك النص.
هذا و الله تبارك و تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و بارك و سلم و الحمد لله رب العالمين .
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
فإنه من أصول الهداية التي لا يتوصل إلى طريق الحق إلا بها الرجوع إلى المحكم من كلام الله تعالى ،فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله)) أخرجه أحمد في المسند و الحاكم في المستدرك و ابن حبان في الصحيح من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه.
و في الشريعة للآجري قال: ((إن منكم لمن يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)) لهذا ما فتيء أهل الزيغ و الضلال و من قلّ حظهم من العلم يخرجون عن الحق إلى الباطل، فلا يرجعون إلى المحكم الذي لا يمكنهم أن يحملوه على مقاصدهم الخبيثة الفاسدة وينزلوه عليها، إنما يصرفون أنظارهم إلى كل ماهو متشابه من القول، فيحملوا معانية على الوجه الذي يرون لاحتمال لفظه لما استقر في قلوبهم المريضة،فتتحقق فيهم الضلالة التي كتبها الله على من يتبع متشابه كتابه بلا رجوع إلى محكمه.
و من الآيات التي كثر عنها الكلام و اختلفت أهواء الطوائف في المراد منها قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} فيستدلون بها في غير محلها و يحملونها محامل صعبة .
*المبحث الأول: في الكلام عن هذه الآيات: في معنى قوله: {مختلفين}
1- مختلفين في الأديان و الملل: قال ابن جرير :ثم اختلف أهل التأويل في "الاختلاف" الذي وصف الله الناس أنهم لا يزالون به. فقال بعضهم: هو الاختلاف في الأديان فتأويل ذلك على مذهب هؤلاء: ولا يزال الناس مختلفين على أديان شتى، من بين يهوديّ ونصرانيّ، ومجوسي، ونحو ذلك.
وقال قائلو هذه المقالة: استثنى الله من ذلك من رحمهم، وهم أهل الإيمان.
2- في الهوى: جاء في سنن سعيد بن منصور 1107- حدثنا سعيد،قال نا أبو الأحوص،قال:نا سماك،عن عكرمة في قوله عز و جل {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} - قال: مختلفين في الهوى.
3- قال ابن جرير:وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يزالون مختلفين في الرزق، فهذا فقير وهذا غنى.
ثم رجح ابن جرير القول الأول فقال "ولا يزال الناس مختلفين في أديانهم وأهوائهم على أديان وملل وأهواء شتى، إلا من رحم ربك، فآمن بالله وصدق رسله، فإنهم لا يختلفون في توحيد الله، وتصديق رسله، وما جاءهم من عند الله.
فيكون من قبيل الوعيد لمن أثبت القدر واحتج به على الأمر و النهي و ما احسن ما قاله مطرف بن الشخير: لم نوكل إلى القدر، وإليه نصير. وقال ضمرة بن ربيعة: لم نؤمر أن نتكل على القدر، وإليه نصير.
*المبحث الثاني: الأصل في الاختلاف أنه حادث ، أدلة ذلك قائمة و كثيرة من الكتاب و السنة منها آيات الميثاق و غيرها .
قال ابن وهب في تفسيره 350 - وأخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قول الله: {كان الناس أمة واحدة}، فهذا يوم آخذ ميثاقهم، لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}، {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، اختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، فهدى الله أمة محمدٍ ليوم الجمعة؛ واختلفوا في القبلة، فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، وهدى الله أمة محمدٍ للقبلة؛ واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في الصيام؛ فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم من بعض الطعام، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود: كان يهوديا، وقالت النصارى: كان نصرانياً، وجعله الله حنيفاً مسلما، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك؛ واختلفوا في عيسى بن مريم، فكفرت به اليهود وقالوا لأمه {بهتانا عظيما}، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله روحه وكلمه، فهدى الله أمة محمدٍ للحق من ذلك.
*المبحث الثالث: أن نعلم أن أهل الرحمة خصوا من الله بعدم الإختلاف {وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} يعني للرحمة خلقهم، و لا يشك عاقل أن دين الإسلام من رحمة الله و الاسلام هو التوحيد و عبادة الله و ذلك مصداق قوله تعالى {و ما خلقت الجن و الانس إلا ليعبدون} فيكون الجمع بين الآيتين و "لذلك خلقهم" أي: ليعبدوه ويوحدوه و أهل عبادته هم أهل رحمته .
قال ابن وهب في التفسير 65 - قال: وأخبرني عبد الله بن يزيد عن المسعودي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قرأ هذه الآية: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: خلق أهل رحمته ألا يختلفوا.
و روى عبد الرزاق في المصنف1263 - عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى {إِلَّا مَنْ رَحمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} للرحمة خلقهم .
كما روى في 1264 - عن ابن التيمي،عن جعفر،عن عكرمة،عن ابن عباس،قال {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} قال: إلا أهل رحمته،فإنهم لا يختلفون، و لذلك خلقهم .
و روى ابن وهب في تفسيره 25 - قال: وأخبرني مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن طاؤوس أن رجلين اختصما إليه فأكثروا، فقال طاؤوس: اختلفتما وأكثرتما؛ قال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، قال طاؤوس: كذبت، أليس يقول الله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة.
و روى ابن أبي حاتم 11292 حدثنا أبي ثنا أبو صالح حدثنى معاوية بن صالح عن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قوله : ولذلك خلقهم قال خلقهم فرقتين فريقاً يرحم فلا يختلف وفريقاً لا يرحم يختلف وذلك قوله : فمنهم شقي وسعيد
11295 حدثنا أبو سعيد الاشج ثنا اسماعيل بن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال : قلت للحسن : ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال : خلق هؤلاء لجنته وهؤلاء للنار وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء للعذاب .
ثم جعل عدم الإختلاف سببا للرحمة كما روى ابن جرير11294 -حدثنا أبى ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيي بن أبى زايدة قال ابن جريج قال مجاهد خلق اهل الحق ومن اتبعه لرحمته.
أقول:و لذلك في الحديث لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، منصورين، و لو كانوا مختلفين لكان أمرهم شتات، و لكنهم كانوا ممن خصهم الله بالرحمة و الإجتماع على الحق، و ليست هذه حال المختلفين بتاتا ،فلا يضرب الشرع بعضه ببعض .
المبحث الرابع: أقوال السلف في المراد بالمختلفين و المرحومين:
اختلفت أقوالهم اختلاف تنوع و في الجملة نقول ان المرحومين هم المؤمنون،قال ابن ابي زمنين في تفسير القرآن العزيز (2/313)
{إِلَّا من رحم رَبك} و هم المؤمنون لا يختلفون في البعث كما اختلف الكفار فيه {وَلذَلِك خلقهمْ} و لذلك خلق أهل الرحمة ألا يختلفوا )) .
قال ابن جرير قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك: (إلا من رحم ربك) ، قال: أهل الحقّ، ليس فيهم اختلاف.
و قال قتادة: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) ، فأهل رحمة الله أهل جماعة، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت دورهم وأبدانهم.
أما أهل الفرقة و النقمة و العذاب فليس المقصود بهم أهل من سبق ذكرهم قال ابن وهب في التفسير 205 - وحدثني طلحة أيضا أنه سمع عطاء يقول: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، قال: اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية، وهم الذين رحم ربك الحنيفية.
و هذه الآيات يمكن أن ننظر إليها بمنظارين: الأول إرادة الله الكونية و الثاني إرادته الشرعية، فالكونية منها هي الإرادة المستلزِمة لوقوع المراد التي يُقال فيها: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وهذه الإرادة هي مدلول اللام في قوله: و لذلك خلقهم .
وأما الشرعية فهي محبة المراد ورضاه ومحبة أهله والرضا عنهم و هي لا تستلزم وقوع المراد ،فيتحقق بذلك أمره الكوني باختلاف الناس إلا من هداهم الله وتكرم عليهم بفضله .
أما ضمير الكاف في قوله "و لذلك" فإن القاعدة المعروفة عند أهل الفن أن الضمير المتصل عائده على مذكور سابق له يوافقه في الجنس و العدد، و هنا مرجع الضمير له حالان: الأولى أن يرجع على الناس فالإشارة تكون إلى الإختلاف، بمعنى أي اقتضت حكمته و إرادته أن يصير مآل الناس إلى الإختلاف.
الثاني: أن يعود الضمير على قوله: "إلا من" فالإشارة إلى الرحمة أي خلقهم لرحمته كما أسلفت ربطها بآية و ما خلقت الجن و الإنس .
فهذا القرآن عكف على تأويله الكثير من السلف و الخلف، و لم يدع الإحاطة بمعانيه بل لا يستطيعه ذلك أحد، لأن كتاب الله مبارك لا تنقضي عجائبه، و قد صدق ابن تيمية رحمه الله حين قرر أن أهل الباطل لا يستدلون بنص شرعي إلا و وجد رد باطلهم من ذلك النص.
هذا و الله تبارك و تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و بارك و سلم و الحمد لله رب العالمين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق