بسم الله الرحمن الرحيم
في الفرق بين قوله تعالى{وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}و قوله{يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
يقول الله عز و جل في سورة هود الآية 12:{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} و قال عز و جل في آية 125 من سورة الأنعام{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}
الضيق كما قال ابن منظور في لسان العرب: نقيض السعة .
و ضيق الصدر يكون بالهموم التي تعتريه فيصيبه بالغم، كما في قوله تعالى {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} و يقال: ضاق به السبيل إذا تعسر أمامه، و صاحَب ذلك إحساس منه بالعجز أو الفشل .
و كما في قوله تعالى {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}أي: ضاقت عليهم بسعتها غما و ندما .
و كل هذا بعيد في حق الرسول صلى الله عليه و سلم قال العلامة بن القيم في مدارج السالكين: (( وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن؟ بل كان دائم البشر ضحوك السن)).
و الملاحظ أنه في الآية الأولى قال:{وَضَائِقٌ} أما الثانية في الضالين قال:{ضَيِّقًا} الأول اسم فاعل من ضيق ، أما الثاني فعبر بالصفة المشبهة الدالَّة على أمر مستقرٍّ ثابت .
و السر فى استعمال صيغة اسم فاعل "ضائق" في الآية الأولى و الله أعلم هو أن الخطاب موجه إلى النبي الكريم -صلى الله عليه و سلم- و اسم الفاعل لا يدل على الثبوت و الإستمرار، بل هي حال عارضة، و لا دلالة فيها على تمكن الضيق في صدره-صلى الله عليه سلم- فعلى التقارب بين اللفظين فأن لكليهما دلالة على الضيق، لكن "ضائق" له دلالة على حدوث ضيق عارض، و لا تتحقق فيه إستمرارية، هذا إن ثبت الضيق أصلا، أما "ضيقا" تدل على ضيق ثابت ممستمر، فيكون "ضيقا" ألزم من "ضائق" و أشد وقعا منه .
و علاج الضيق قد ذكره الله تبارك و تعالى في كتابه الكريم بقوله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} كما جرت به العادة قد يقع للمسلم ضيق في صدره، و هم و غم، بسبب ما يحصل له من أهل البدع و الهوى و الشرك، من أذى و استهزاء بالدين أو إعراض عن الحق، فأرشدنا الله إلى علاج الضيق، و المخرج منه بعدم الإنشغال عن عبادته و ذكره و الدعوة إليه، فالله يكفي عباده و ينصرهم، لهذا قال: بعدها "فسبح بحمد ربك": اي فافزع إلى الصلاة بقوله "و كن من الساجدين" لأنها أفضل التسبيح، و أقرب مايكون في صلاته إلى ربه و هو ساجد، "و اعبد ربك حتى ياتيك اليقين "لأن العبادة هي أصل عظيم في كشف الكربات .
قال ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولقد نعلم يا محمد أنك يضيق صدرك بما يقول هؤلاء المشركون من قومك من تكذيبهم إياك واستهزائهم بك وبما جئتهم به، وأن ذلك يحرجك.
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يقول: فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى الشكر لله والثناء عليه والصلاة، يكفك الله من ذلك ما أهمك. وهذا نحو الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
هذا و الله تبارك و تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق