بسم الله الرحمن الرحيم
مانقل في معنى قوله تعالى{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}
قال إمام المفسرين الطبري-رحمه الله تعالى-: اختلف أهلُ التأويل في تأويل ذلك.
1) فقال بعضهم: معناه: أولم ير هؤلاء المشركون مِنْ أهل مكة الذين يسألون محمدًا الآيات، أنا نأتي الأرض فنفتَحُها له أرضًا بعد أرض حَوَالَيْ أرضهم؟ أفلا يخافون أن نفتح لَهُ أرضَهم كما فتحنا له غيرها؟
و ذكر من قال بنحو ذلك فنقل الأسانيد عن ابن عباس و الضحاك و الحسن رضي الله عنهم جميعا .
2) وقال آخرون: بل معناه: أولم يروا أنا نأتي الأرض فنخرِّبها، أو لا يَخَافون أن نفعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فنهلكهم ونخرِّب أرضهم؟
ثم نقل الأسانيد عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة من قالوا بنحو هذا .
3) وقال آخرون: بل معناه: ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت .و نقل هذا القول عن ابن عباس كذلك رضي الله عنه و مجاهد .
4) وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها، فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت . و نقل عن مجاهد و عكرمة و قتادة من قالوا بنحو هذا القول .
5) وقال آخرون:{ ننقُصها من أطرافها } بذهاب فُقَهائها وخِيارها .و هذا القول نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما و تلميذه مجاهد رحمه الله .
ثم قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قولُ من قال:{ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها }، بظهور المسلمين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عليها وقَهْرِهم أهلها، أفلا يعتبرون بذلك فيخافون ظُهورَهم على أرْضِهم وقَهْرَهم إياهم؟ وذلك أن الله توعَّد الذين سألوا رسولَه الآيات من مشركي قومه بقوله:{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَليْنَا الْحِسَابُ } ، ثم وبَّخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضُرَبائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال:{ أولم يرَوْا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يَرَوْن من ذلك .
و هذا القول الذي رجحه الإمام الطبري رجحه كذلك ابن كثير-رحمه الله تعالى فقال:
والقول الأول أولى، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية، وكَفْرًا بعد كَفْر، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى } [الأحقاف:27] الآية، وهذا اختيار ابن جرير، رحمه الله { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ }
يقول: { وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } برسلهم، وأرادوا إخراجهم من بلادهم، فمكر الله بهم، وجعل العاقبة للمتقين، كما قال تعالى: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30] وقال تعالى: { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } الآية [النمل: 50 -52] .
و الله تعالى أعلم .