بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى الفلكيين
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه أما بعد،
فإن من حكمة الله و رحمته بنا أن لم يعلقنا بالحسابات و لا بالفلك، و لم يتعبدنا بذلك بل سد باب الفلك في الشريعة للمفاسد التي تأتي من جراء الحسابات و النجوم من الإنتقال من العلم المباح إلى العلم المحرم، و هو علم التسيير و الدخول بعد ذلك في متاهات تفسد عليهم عقائدهم، و كل من دخل في هذا الباب لا يكاد يسلم .
و جعل الشارع مواقيت الصلاة كلها مرتبطة بالشمس لكون الإستشهاد بالشمس متيسر للجميع، و غيرها من الحكم الربانية، كما ربط مواقيت الحج و الصيام بالهلال الشرعي و الزكاة بدوران الحول .
و من خالف ذلك فقد خالف رسول الأُميين و سبيل المؤمنين قال ابن تيمية-رحمه الله تعالى-:(( فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم ، بل يكون اتبع غير سبيل المؤمنين)) .
كما أِن خطر الإعتماد على الحساب الذي في نظرهم يقوم مقام الرؤية البصرية يعد إهداراً للعلة الشرعية و إسقاطاً لحُجيتها، بل و إحداثاً في دين الله عز و جل بما لم يأذن به الله، لأن العلة الشرعية التي توجب الصيام هي الرؤية البصرية .
و الخطر يكمن كذلك في كون بعض المنجمين الذي أَلبسوا أنفسهم لباس الشرع، حيث صاروا إلى رد شهادة العدول الثقات بحجة إستحالة رؤية الهلال في ذلك الوقت حسابيا، و هؤلاء يصدق فيهم قول ابن تيمية أنهم سماعون للكذب كما قال-رحمه الله تعالى-: ((بلغنى ان من القضاة من كان يرد شهادة العدد من العدول لقول الحاسب الجاهل الكاذب إنه يرى أو لا يرى فيكون ممن كذب بالحق لما جاءه وربما أجاز شهادة غير المرضي لقوله فيكون هذا الحاكم من السماعين للكذب فان الآية تتناول حكام السوء كما يدل عليه السياق حيث يقول : {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ }))
و هؤلاء المتطفلين على الشريعة أرادوا تعطيل شرع الله و إفساد دينه، فأبطنوا ذلك و خرجوا علينا في صورة الفلكيين .
و لا يجب أن يغتر بهم المسلم و لا أن يسمع لهم، لأن مرادهم تعطيل حكم الله من جهات متنوعة أولها: تعطيل الآية القرآنية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} كما تعطيل الحديث النبوي ((صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته))
و فيه الإفساد على الناس أمر دينهم و تشكيكهم فيه، بأن يصوموا يوما متأخراً أو متقدماً عن وقت إشتهار الهلال في أول رمضان أو آخره .
فجاءت هذه الشريعة السمحة الصالحة لكل مكان و زمان فسدت هذا الباب من أصله، و ربطت الحكم بالأهلة فطراً و صياماً، و هو من أعظم الحكم في هذه الشريعة أن يعلق الناس بالشيء المنظورِ المشهودِ المشهورِ و لذلك سمي الشهر شهرا لإشتهار هلاله في السماء، و سمي الهلال هلالا، لأنه يستهل أي يشتهر ظهوره و بروزه في السماء للناظرين .
فالهلال هلالين: هلال فلكي، و هو الذي يدندن حوله المنافقون و الملاحدة، و هذا الهلال غير المعول عليه شرعا و لا تنبني عليه أحكام الشرع .
أما الثاني فهو الهلال الشرعي، الذي يستهل و يشتهر و يظهر في السماء، و من هنا يظهر أن أصل المبحث ليس مبحثا واحدا فنحن نتكلم عن هلال و هم عن هلال .
كما جاء أمر النبي صلى الله عليه و سلم و نهيه ((لا تصوموا حتى تروا الهلال و لا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأقدروا له)) فتعين عليهم أن يسكتوا، و يكفوا أقلامهم و ألسنتهم عن الفجور و تشكيك المسلمين في دينهم .
هذا و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق