بسم الله الرحمن الرحيم
في معنى قوله تعالى{وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى}[الرعد: 31]
قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره(94/3):
قَوْله تَعَالَى: {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} رُوِيَ أَن الْمُشْركين قَالُوا لرَسُول الله: سل رَبك أَن يسير هَذِه الْجبَال الَّتِي بِمَكَّة فتتسع أَرْضنَا ونتخذ فِيهَا الْمزَارِع، وسل رَبك أَن يقرب إِلَيْنَا الشَّام، فَإِن إِلَيْهِ متاجرنا وَقد أبعد عَنَّا،
وَقَالُوا أَيْضا: سل رَبك أَن يخرج لنا الْأَنْهَار ويشق الْعُيُون فِي الأَرْض لنغرس الْأَشْجَار، ونتخذ الْبَسَاتِين، وسل رَبك أَن يبْعَث لنا جمَاعَة من الْمَوْتَى فنسألهم عَن أَمرك، وأحى لنا قصيا؛ فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا مُبَارَكًا حَتَّى نَسْأَلهُ عَن أَمرك.
وَفِي بعض الرِّوَايَات أَنهم قَالُوا: سل رَبك بِالْقُرْآنِ الَّذِي أنزل عَلَيْك أَن يفعل هَذَا فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة: {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} مَعْنَاهُ: وَلَو قضيت أَن أَسِير الْجبَال بِكِتَاب أَو أقطع الأَرْض بِهِ أَو أحيي بِهِ الْمَوْتَى لفَعَلت بِهَذَا الْقُرْآن.
فَإِن قيل: هَذَا الْجَواب الَّذِي تَقولُونَ غير مَذْكُور فِي الْقُرْآن، وَهَذَا زِيَادَة؟
الْجَواب عَنهُ، أَن الْجَواب مَحْذُوف، وَالْعرب تفعل مثل هَذَا، قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَو أَنَّهَا نفس تَمُوت سوية ... وَلكنهَا نفس تساقط أنفسا)
وَمَعْنَاهُ: وَلَو أَنَّهَا نفس وَاحِدَة لتسليت بهَا، وَلكنهَا أنفس كَثِيرَة.
وَذكر الْفراء أَن الْجَواب هُوَ: {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى} لم يُؤمنُوا؛ لما سبق فِي علمنَا من تَركهم الْإِيمَان.
وَذكر الْفراء أَن الْجَواب هُوَ: {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى} لم يُؤمنُوا؛ لما سبق فِي علمنَا من تَركهم الْإِيمَان.
مَعْنَاهُ: أَنا لَو فعلنَا بِالْقُرْآنِ الَّذِي أنزل إِلَيْك مَا سَأَلُوا، لم يُؤمنُوا أَيْضا. وَقَوله: {بل لله الْأَمر جَمِيعًا} مَعْنَاهُ: بل لله الْأَمر جَمِيعًا فِي هَذِه الْأَشْيَاء؛ إِن شَاءَ فعلهَا وَإِن شَاءَ لم يَفْعَلهَا.
و ذكر في موضع آخر أن حذف الْجَواب اخْتِصَار السبقه إِلَى الإفهام.
قال ابن عطية الأندلسي في المحرر الوجيز(159/3): في معنى الحذف، قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى} ، لكان هذا القرآن، ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
قال برهاني الدين البقاعي في نظم الدرر(34/10): لو {أن قرآناً} كانت به الآيات المحسوسات بأن {سيرت} أي بأدنى إشارة من مشير ما {به الجبال} أي فأذهبت على ثقلها وصلابتها عن وجه الأرض {أو قطعت} أي كذلك {به الأرض} أي على كثافتها فشققت فتفجرت منها الأنهار {أو كلم به الموتى} فسمعت وأجابت لكان هذا القرآن، لأنه آية لا مثل لها، فكيف يطلبون آية غيره! أو يقال: إن التقدير: لو كان شيء من ذلك بقرآن غيره لكان به - إقراراً لأعينكم - إجابة إلى ما تريدون، لكنه لم تجر عادة لقرآن قبله بأن يكون به ذلك، فلم يكن بهذا القرآن .
لأن الله لم يرد ذلك لحكمه علمها، وليس لأحد غير الله أمر في خرق شيء من العادات.
{بل} ويجوز أن يكون التقدير: لو وجد شيء من هذا بقرآن يوماً ما لكان بهذا القرآن.
بل {لله} أي الذي له صفات الكمال وحده {الأمر} وهو ما يصح أن يؤمر فيه وينهى {جميعاً} في ذلك وغيره، لا لي ولا لأحد من الأنبياء الذين قلتم .
و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
{بل} ويجوز أن يكون التقدير: لو وجد شيء من هذا بقرآن يوماً ما لكان بهذا القرآن.
بل {لله} أي الذي له صفات الكمال وحده {الأمر} وهو ما يصح أن يؤمر فيه وينهى {جميعاً} في ذلك وغيره، لا لي ولا لأحد من الأنبياء الذين قلتم .
و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .