بسم الله الرحمن الرحيم
هل في السنَّة شرع مبتدأ ليس له أصل في القرآن أو زيادة على هذا القرآن
السؤال:
هل في السنَّة شرع مبتدأ ليس له أصل في القرآن أو زيادة على هذا القرآن ،
فإذا كان الأمر كذلك فكيف نفرق قول الشاطبي في الموافقات بأثره ، ومن تفرع
من الراجح من كبار العلماء العز بن عبد السلام في كتابه الفوائد؟
الجواب : أما سؤال : هل في السُّنة أحاديث ليست في القرآن أو أصلها ليس في القرآن ؟ فهذا فيه خلاف ذكره الشاطبي (1) في
الموافقات وكذلك غيره ، والخلاف في هذا يكاد يكون لفظيًّا ؛ لأن الذين
اختاروا أنه ليس في السنَّة شيء زائد على ما في القرآن ، وإنما كل ما وجد
في السنَّة فهو بيان لأصل في القرآن ، فهؤلاء يتأولون ما قال مخالفوهم بأنه
ليس في القرآن بل زائد .
فمثلا في الحديث الذي فيه النهي عن الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها (2) علل فيه الرسول هذا النهي ، فقال : " إن تفعلوا ذلك تقطعوا أرحامكم " ، فبيّن أن هذا وسيلة لقطيعة الرحم .
وهذا التعليل جعله الشاطبي (3)
وجماعة أصلا من الأصول ، وبين أن هذا الأصل من القرآن ، وهو الذي بني عليه
تحريم الأم ، وتحريم الزواج بالبنت ، وتحريم الزواج بالأخت ، لأنه يصير
فيه جانبان متقابلان متعارضان ؛ حقوقِ الزوجية للزوج ، وحق أمه عليه ، وهي
أقوى من حُرِّم نكاحه ، ولذلك جاء في أول المحرمات في الآية ، وكلما تأخر
كان أخف في المفسدة ، وفي تعارض الحقوق .
فلمَّا
بيّن اللّه تعالى في القرآن الأصل الذي بُني عليه تحريم نكاح الأمهات
والأخوات ؛ وهو أن ذلك يؤدي إلى تعارض الحقوق وتقطع الأرحام أشار النبي إلى
هذا في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها .
وعلى
هذا يكون حديث النهي بيانا للتعليل الذي بني عليه تحريم من حرم نكاحه في
نص القرآن ، وقد فهمه النبي وعلل به ، وبهذا لم يكن الحديث زائدا عن
التقعيد الذي في القرآن ، إنما هو استنباط من ذلك التعقيد .
وكان
التحريم فيه أخف ، لأن تقطيع الرحم فيه أقل ، وتعارض الحقوق فيه أقل ،
فجاء التحريم في الجمع دون التحريم في أصل الزواج ، فله أن يطلِّق المرأة
ويتزوج عمتها أو يطلِّق المرأة ويتزوج خالتها ، وكذلك فإن أصل هذا التقعيد
الذي فيه خفة في المفسدة موجود في تحريم الجمع بين الأختين ، لأن الضرة من
شأنها أن يقع بينهِا وبين ضرتها الخصومة ، فحُرِّم الجمع بينهما مخافة
المضارّة التي هي من شأن البشر ، وخاصة النساء ، فحُرِّم الجمع دون أن يحرم
تزوج الأخت بعد وفاة أختها ، أو بعد طلاق أختها . ومن أجل هذا يقول
الشاطبي ومن وافقه : إنه مبني على تقعيد مستنبط من القرآن فهو بيان لا
تأصيل .
أما
غيرهم فنظر إلى الظاهر ، وأن هذا الحكم لم يكن موجودًا نصًّا ، إذًا هو
زائد على ما في القرآن ، وهذا التعليل موجود في الموافقات للشاطبي ومن أحب
فليرجع إليه .
(1) انظر الموافقات (4 / 12) وما بعدها .
(2)
أخرجه البخاري (5109) ومسلم(1408) ، وأخرج البخاري (5108) عن جابر قال :
نهى رسول اللّه صلى الله عليه و سلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها .
(3) انظر الموافقات (4 / 43) .
شبهات حول السنة تأليف عبد الرزاق عفيفي-رحمه الله تعالى- .