بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود}
يقول تعالى : {فلما جاء أمرنا } كان ذلك عند طلوع الشمس، قال ابن جرير الطبري: حدثني موسى، قال حدثنا عمرو، قال حدثنا أسباط، عن السدي: قال لما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبرئيل فاقتلع الأرض من سبعة أرضين فحملها حتى بلغ السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم و أصوات ديوكهم ثم قلبها فقتلهم .
قال ابن الجوزي في زاد الميسر قوله تعالى: {فلما جاء أمرنا }فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أمرُ الله الملائكةَ بعذابهم.
والثاني: أن الأمر بمعنى العذاب.
والثالث: أنه بمعنى القضاء بعذابهم.
{جعلنا عاليها سافلها } وهم قوم لوط المؤتفكات{سافلها } كقوله :{والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى }
المعنى: قلب الله على قوم لوط البلد، فرفعها إلى أعلى، وجعل عاليها سافلها، كما نكسوا الفطرة، وقلبوا خلقة الله السوية، قلبوا الأمر بدلاً من إتيان النساء، المزرعة الطيبة، بدلاً من إتيان الحرث، بدلاً من أن يشكروا نعمة الله عليهم الذي خلق لهم من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها، وجعل المودة والرحمة قلبوا الأمر، فأتوا الذكران من العالمين، بدَّلوا نعمة الله كفر .
هنا قد يقول قائل كيف أمطر عليهم و هم قد قلبت بهم الأرض ؟
الجواب على ذلك من وجهين الوجه الأول: أنها أمطرت على المؤتفكات حين رفعها جبريل .
الوجه الثاني: أنها أمطرت على من كان خارج المدن في ذلك الوقت: قال مكي بن ابي طالب في الهداية الى بلوغ النهاية (2442/4): ((رُويَ أن جبريل، عليه السلام، اقتلع مدائنهم وهي ست فأهوى بها حتى بلغ بها السماء بجناح واحد، حتى سمع أهل السماء نُهَاق الحمير، ونُبَاح الكلاب، وصُرَاخ الديوك، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، وتبعت الحجارة من كان خارج المدائن منهم )).
و قال مكي بن ابي طالب في الهداية الى بلوغ النهاية (5346/8):(( يعني من كان غائباً من قوم لوط أرسل عليه حجارة، فأما من كان في المدينة فإنه قلبت عليه عاليها سافلها، وأرسلت الحجارة على من لم يكن في المدينة، فتلقطتهم في الآفاق فأهلكتهم)). و الله أعلم بالمراد .
في قوله تعالى {و أمطرنا عليها} في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى القرى. والثاني: إِلى الأمة
و كلمة (أمطر) الفعل الرباعي لم يستعملها القرآن إلاّ في مقام العذاب و الإنتقام عن المعرضين عن رسالات الله، و دعوة رسل الله. فقد خصص القرآن الكريم الغيث في سياقات النفع والخصب والخير و النعم و الفضل و الغوث و النجدة ، وخصص المطر في سياقات العذاب والنكال و الأذى .
قال الأصفهاني في معجم مفردات ألفاظ القرآن:((مطر: المطر الماء المنسكب، ويوم مطير وماطر، وممطر، وواد مطير. أي: ممطور، يقال: مطرتنا السماء وأمطرتنا، وما مطرت منه بخير، وقيل: إن (مطر) يقال في الخير، و (أمطر) في العذاب، قال تعالى: {و أمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين }{و أمطرنا عليهم مطرنا فأنظر كيف كان عاقبة المجرمين}{و أمطرنا عليهم حجارة} {فأمطرنا عليهم حجارة من السماء }))
و في صحيح البخاري قال سفيان ابن عيينة: ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذابا و تسميه العرب الغيث
قال ابن حجر في الفتح:و لقد استثني من ذلك { إن كان بكم أذى من مطر } فإن المراد به الغيث قطعا
و قال أبو عبيدة: إذا كان في العذاب فهو أمطرت و إذا كان في الرحمة فهو مطرت
و أخيرا أنقل فائدة فيما يظن انه الحكمة من إمطارهم بالحجارة كما قال ذلك القرطبي: أن في ذلك دليلاً على أن من فعل فعلهم يقصد به إتيان الذكر للذكر حكمه الرجم .
و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .