بسم الله الرحمن الرحيم
في قوله تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} التسبيح هنا يكون للإسم أم لله؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اهتدى بهداه اما بعد،
فقد يشكل على الكثير قول الله تعالى في كتابه الكريم {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} ذلك أن البعض قد يفهم منه أن المقصود هو عبادة الإسم بتسبيحه أو شيء من هذا الضرب .
يظهر أن المعنى ليس للإسم بل لله بتنزيه إسمه تعالى عن كل عيب و عن كل نقص في المجالس الخاصة و بين الناس بذكر ما يليق بجلاله و عظمته و قد تكلم العلماء في هذا
أي سبِّح ربَّك ذاكرًا اسمَه، وذلك أن التسبيح لا ينبغي أن يقتصر أمره على القلب، بل لا بد من نطق اللسان، ولذلك جاء قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
فقال ابن جرير في جامع البيان(309/24):(( اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) فقال بعضهم: معناه: عظم ربك الأعلى، لا ربّ أعلى منه وأعظم، وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى ثم قال حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ثنا هشيم قال أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقرأ: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ))
وقال آخرون: بل معنى ذلك: نزه يا محمد اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئًا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات وبعضها العزّى.
وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الأعلى؛ قالوا: وليس الاسم معنيًا.
وقال آخرون: نزه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل؛ قالوا: وإنما عُنِي بالاسم: التسمية، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر.
وقال آخرون: معنى قول:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } صلّ بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك: صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: نزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان، لما ذكرت من الأخبار، عن رسول الله ، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى، فَبَيَّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك ونزهه.
العلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى- في بدائع الفوائد (19/1): ((أنه يلزمه أن يطلق على الاسم التكبير والتحميد والتهليل وسائر ما يطلق على المسمى فيقال الحمد لاسم الله ولا إله إلا اسم الله ونحوه وهذا مما لم يقله أحد بل الجواب الصحيح أن الذكر الحقيقي محله القلب لأنه ضد النسيان والتسبيح نوع من الذكر فلو أطلق الذكر والتسبيح لما فهم منه إلا ذلك دون اللفظ باللسان والله تعالى أراد من عباده الأمرين جميعا ولم يقبل الإيمان وعقد الإسلام إلا باقترانهما واجتماعهما فصار معنى الآيتين سبح ربك بقلبك ولسانك واذكر ربك بقلبك ولسانك فأقحم الاسم تنبيها على هذا المعنى حتى لا يخلو الذكر والتسبيح من اللفظ باللسان لأن ذكر القلب متعلقه المسمى المدلول عليه بالاسم دون ما سواه والذكر باللسان متعلقه اللفظ مع مدلوله لأن اللفظ لا يراد لنفسه فلا يتوهم أحد أن اللفظ هو المسبح دون ما يدل عليه من المعنى وعبر لي شيخنا أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه عن هذا المعنى بعبارة لطيفة وجيزة فقال: "المعنى سبح ناطقا باسم ربك" متكلما به وكذا: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّك} المعنى سبح ربك ذاكرا اسمه وهذه الفائدة تساوي رحلة لكن لمن يعرف قدرها فالحمد لله المنان بفضله ونسأله تمام نعمته ))
قال ابن عثيمين-رحمه الله تعالى- في تفسيره: ((:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } قال بعض المفسرين: إن قوله {اسْمَ رَبّكََ} يعني مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها: سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى::{فَسَبّح بِاسْمِ رَبّكَ اَلعَظِيم}. يعني سبح تسبيحاً مقروناً باسم، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والمقصود أن يسبح بهما جميعاً بقلبه لافظاً بلسانه ))
و الله تعالى أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .